في عالم الأعمال، يمثل كل عميل جديد مجموعة من المخاطر الخاصة به، وبينما تسعى الشركات باستمرار إلى توسيع قاعدة عملائها، ولكن يجب عليها فهم كيفية إدارة المخاطر المرتبطة بالعملاء الجدد، إذ أن هذه العملية تمثل خطوة ضرورية لضمان الاستدامة المالية والامتثال التنظيمي.
في هذا السياق، يأتي تقييم مخاطر العملاء كأداة أساسية لإدارة هذه المخاطر بكفاءة. ولكن ما هو تقييم مخاطر العملاء؟ وكيف تتم إدارة المخاطر المتعلقة بالعملاء الجدد؟
يُعد تقييم مخاطر العملاء عملية تحليل شاملة تهدف إلى دراسة المخاطر المحتملة التي قد تنشأ من التعامل مع عميل معين. تعتمد هذه العملية على مجموعة متنوعة من العوامل التي تهدف إلى تقييم مدى احتمال تعرض الشركة لمخاطر مالية أو قانونية أو تشغيلية نتيجة تعاملها مع العميل، ويركز هذا التقييم على احتمالية عدم وفاء العميل بالتزاماته المالية، أو الانخراط في أنشطة غير قانونية مثل الاحتيال، أو الإضرار بسمعة الشركة.
تُستخدم تقنيات وإجراءات موحدة لتقدير مستوى المخاطر المرتبطة بكل عميل، خاصة في الصناعات التي تخضع للوائح صارمة، مثل تلك المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال (AML). يشمل التقييم التحقق من هوية العميل، ومصادر الأموال التي يتعامل بها، والغرض من استخدام تلك الأموال، إضافةً إلى جمع وتحليل معلومات أخرى تساعد في تقدير المخاطر المرتبطة بغسيل الأموال أو تمويل الإرهاب.
تُعد مراقبة سلوك العملاء بشكل دوري جزءاً أساسياً من عملية إدارة المخاطر، إذ تضمن هذه المراقبة أن تصرفات العميل تتماشى مع ملف المخاطر الذي تم إنشاؤه عند بدء العلاقة التجارية. وتوصي مجموعة العمل المالي (FATF) بإنهاء العلاقة التجارية مع العميل إذا تعذر استيفاء متطلبات العناية الواجبة (CDD)، مما يعكس أهمية المحافظة على الامتثال المستمر للإجراءات التنظيمية.
تتعدد العوامل التي تؤثر على عملية تقييم وإدارة مخاطر العملاء، إذ تلعب كل منها دورًا في تحديد مدى خطورة التعامل مع عميل معين، وتشمل عوامل تحليل مخاطر العملاء ما يلي:
تحليل السجل الائتماني السابق للعميل يشكل خطوة جوهرية في تقييم المخاطر. يشمل هذا التحليل مراجعة تاريخ السداد، الديون المستحقة، والطريقة التي يستخدم بها العميل الائتمان. إذ يمكن أن تكون الأدلة على التخلف عن السداد أو وجود مشاكل ائتمانية سابقة مؤشرًا قويًا على احتمالية وجود مشاكل مستقبلية.
اقرأ المزيد: الاحتيال في طلبات التمويل والقروض وأهم 7 علامات تحذيرية
يعد تقييم الوضع المالي الحالي للعميل أمرًا حيويًا، حيث يتم النظر إلى دخله، وأصوله، والتزاماته المالية، وكفاءته في إدارة موارده. كما يمكن أن يقلل الاستقرار المالي القوي للعميل من المخاطر، بينما يعكس الوضع المالي غير المستقر خطراً أكبر على الشركة.
ينبغي على الشركات تحليل الصناعة التي يعمل فيها العميل، حيث تُعتبر بعض الصناعات أكثر عرضة للمخاطر من غيرها. على سبيل المثال، قد تنطوي بعض الصناعات مثل التكنولوجيا المالية (Fintech) أو الصناعات الدفاعية على تحديات قانونية وتنظيمية خاصة، بينما قد يكون للسوق الذي يعمل فيه العميل تقلبات اقتصادية تؤثر على استقراره المالي.
تُعتبر السمعة عاملًا حاسمًا في تقييم مخاطر العملاء، إذ يُستدل من سمعة العميل في السوق على مدى مصداقيته وموثوقيته. العملاء الذين يتمتعون بسمعة جيدة غالبًا ما يكونون أكثر التزامًا بتعاقداتهم وأقل عرضة للمخاطر، بينما يمكن أن تشكل السمعة السيئة علامة تحذيرية تستوجب الحذر.
ينبغي دراسة موقع العميل الجغرافي، إذ أن المخاطر قد تتزايد في بعض المناطق غير المستقرة سياسيًا أو تلك التي تعاني من تشريعات غير واضحة، كما تؤثر التقلبات الاقتصادية في بعض البلدان على استقرار العملاء وقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية.
يجب أن تتأكد الشركة من أن العميل يلتزم بالقوانين واللوائح المعمول بها في القطاع الذي يعمل فيه، حيث يشكل الامتثال للوائح مكافحة غسيل الأموال (AML) والقوانين الضريبية جزءًا أساسيًا من عملية التقييم، حيث أن عدم الامتثال يمكن أن يعرض الشركة لعقوبات قانونية وخسائر مالية جسيمة.
تستخدم الشركات نظام تصنيف خاص لتحديد مستوى المخاطر الذي يمثله كل عميل. يساعد هذا التصنيف في تحليل مخاطر العملاء واتخاذ التدابير المناسبة للعناية الواجبة بما يتناسب مع درجة المخاطر المحتملة. تنقسم تصنيفات العملاء عادةً إلى عدة فئات:
يتميز هؤلاء العملاء بتاريخ ائتماني جيد، واستقرار مالي قوي، وسلوك تجاري موثوق. تشكل هذه الفئة أقل نسبة من المخاطر بالنسبة للشركات، وغالبًا ما تتطلب إجراءات توثيق ومراقبة بسيطة، نظرًا لكونهم أقل عرضة للتورط في أنشطة غير قانونية.
تتضمن هذه الفئة العملاء الذين يظهرون بعض العوامل المثيرة للقلق مثل سلوك مالي غير منتظم أو سجل ائتماني محدود. قد تستدعي هذه الفئة من العملاء فحصًا إضافيًا ومراقبة مستمرة للتأكد من التزامهم بالتعاقدات وتجنب المخاطر المحتملة.
تشمل هذه الفئة العملاء الذين يمثلون تهديدًا كبيرًا للشركة نظرًا لسجلهم الائتماني السيئ، أو ارتباطهم بقطاعات عالية المخاطر، أو اشتباههم في الانخراط بأنشطة احتيالية. تتطلب هذه الفئة من العملاء إجراءات عناية فائقة، مثل العناية الواجبة المعززة (EDD)، بالإضافة إلى المراقبة الدورية والمستمرة.
تعد هذه الفئة من العملاء شديدة الخطورة، نظرًا لارتباطها بمناصب سياسية حساسة أو تورطها في أنشطة تخالف القوانين المتعلقة بالعقوبات الدولية. يلزم التعامل مع هؤلاء الأفراد بتوخي الحذر واتباع إجراءات معززة للتأكد من الامتثال للقوانين الدولية والمحلية.
اقرأ المزيد: السياسيون المعرضون للمخاطر والأفراد الخاضعون للعقوبات
تشمل هذه الفئة العملاء الذين يتطلبون اهتمامًا خاصًا، مثل المنظمات غير الربحية، الكيانات الأجنبية، أو العملاء ذوي الهياكل الملكية المعقدة. تحتاج هذه الفئة إلى تقييم مخاطر دقيق يتناسب مع طبيعة عملهم الفريدة، حيث أن تقييم المخاطر العادي قد لا يكون كافيًا لتغطية كل الجوانب.
تلعب عملية تقييم مخاطر العملاء دورًا مهمًا في حماية الشركات من المخاطر التي قد تترتب على تعاملاتها مع العملاء، ومن أهم الفوائد التي تعود على الشركات من تصنيف مخاطر العملاء:
يعد الامتثال للقوانين واللوائح التنظيمية أحد الأهداف الأساسية لتقييم المخاطر. تساهم عملية تقييم المخاطر في ضمان التزام الشركة بلوائح مكافحة غسيل الأموال (AML) وإجراءات اعرف عميلك (KYC)، مما يقلل من خطر تعرضها لعقوبات تنظيمية.
يساهم تحديد العملاء ذوي المخاطر العالية في الحيلولة دون الانخراط في أنشطة احتيالية، مثل سرقة الهوية وغسيل الأموال، مما يحمي الشركة من الخسائر المترتبة على مثل هذه الأنشطة.
تساعد تقييمات المخاطر في اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة حول منح الائتمان للعملاء. يقلل هذا من خطر التخلف عن السداد أو التعرض لأزمات مالية غير متوقعة.
يمثل التعامل مع العملاء ذوي المخاطر العالية خطرًا على سمعة الشركة. من خلال التقييم الصحيح للمخاطر، يمكن تجنب العلاقات التجارية التي قد تؤدي إلى تضرر السمعة.
يقلل تقييم المخاطر من التكاليف المرتبطة بالتعامل مع مشكلات مثل الاحتيال، عدم الامتثال، والتخلف عن السداد، مما يعزز كفاءة العمليات ويحسن الأداء المالي للشركة.
يساهم فهم المخاطر المرتبطة بكل عميل في بناء علاقات أقوى وأكثر ثقة، إذ يساعد هذا الفهم في تقديم خدمات مخصصة تتناسب مع احتياجات العميل ومتطلباته، مما يعزز الولاء ويعزز العلاقات التجارية على المدى الطويل.
لتنفيذ تقييم شامل لمخاطر العملاء، ينبغي على الشركات اتباع عدة خطوات منهجية تضمن دقة التقييم وفعاليته:
تُعد الخطوة الأولى في عملية التقييم تعيين فرد أو فريق مختص للإشراف على عملية تقييم المخاطر، وضمان الالتزام بالسياسات والإجراءات المعمول بها.
تتضمن هذه المرحلة جمع كافة المعلومات المتعلقة بالعميل، بما في ذلك البيانات الشخصية، الخلفية المالية، العلاقات التجارية السابقة، والعوامل الجغرافية التي قد تؤثر على التعامل مع العميل.
يقوم الفريق المختص بتحليل جميع المعلومات المتاحة، وذلك باستخدام أدوات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والبرامج التحليلية المتخصصة التي تساعد في تحديد عوامل المخاطر المحتملة بدقة.
بناءً على التحليل، يتم تصنيف العميل وفقًا لمستويات المخاطر المحددة سلفًا، ويتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً على هذا التصنيف.
تتطلب إدارة مخاطر العملاء مراقبة مستمرة للتأكد من أن سلوك العميل يظل متسقًا مع ملف المخاطر، حيث أن التغيرات في الظروف قد تؤدي إلى إعادة تقييم المخاطر وتحديث استراتيجيات التعامل.
اقرأ المزيد: ما هي الأركان الخمسة للامتثال لمكافحة غسل الأموال؟
تساهم التكنولوجيا الحديثة في تسهيل عملية تحديد ملف تعريف مخاطر العملاء، إذ توفر منصة فوكال مجموعة شاملة من الحلول المتقدمة التي تشمل الفحص الآلي للعملاء، وتنفيذ إجراءات العناية الواجبة، وتطبيق العناية الواجبة المعززة عند الضرورة، إلى جانب تسجيل مخاطر العملاء بشكل مستمر وفعال.
من خلال دمج خوارزميات التعلم الآلي، تتمكن منصة فوكال من الكشف الفوري عن المخاطر المالية المعقدة، مثل الاحتيال وغسيل الأموال، إذ تعتمد على تحليل دقيق لكميات كبيرة من البيانات، مما يسمح بالتكيف مع التهديدات المتطورة على مدار الوقت. ومن ثم، تساعد فوكال الشركات على اتخاذ قرارات دقيقة وفعالة، مع ضمان الامتثال للوائح مكافحة غسيل الأموال.
تمكن منصة فوكال المؤسسات المالية على تحسين وتطوير عمليات تقييم مخاطر العملاء، إذ تتيح المنصة أدوات متكاملة تساعد في اكتشاف المخاطر المعقدة، وتعزيز الامتثال للوائح التنظيمية، وتوفير تقييمات دقيقة قائمة على بيانات موثوقة. من خلال الاعتماد على تقنيات التعلم الآلي وخوارزميات تحليل البيانات المتقدمة، تستطيع الشركات التكيف مع التهديدات المتطورة وتقديم إجراءات العناية الواجبة بطريقة أكثر فاعلية.
كما تساعد المنصة في الكشف عن العملاء ذوي المخاطر العالية والتأكد من التزامهم بالمتطلبات القانونية والتنظيمية، مما يعزز من سلامة المؤسسات وقدرتها على مواجهة الجرائم المالية مثل الاحتيال وغسيل الأموال.