هل تساءلت يومًا عن كيفية قيام الأفراد بإنشاء هويات جديدة عبر الإنترنت؟ ولماذا يلجأ المجرمون إلى هذه الطرق؟ وما الذي يسعون إليه من وراء سرقة هويتك؟ بالتأكيد، هناك هدف يسعون لتحقيقه، سواء كان ذلك في صورة مكاسب مالية أو استغلال موارد معينة، أو حتى استخدام هويتك كغطاء لإخفاء هويتهم الحقيقية. قد تكون أهدافهم الاستيلاء على رصيدك البنكي، أو الحصول على خدمات طبية باسمك، أو ربما يسعون وراء شيء أكثر خطورة، مثل إخفاء هويتهم لغايات أخرى غير معلنة.
في الواقع، من بين 5.7 مليون حالة تم الإبلاغ عنها إلى لجنة التجارة الفيدرالية، ارتبطت 1.4 مليون حالة بسرقة الهوية، مما جعل لجنة التجارة الفيدرالية تصنّف سرقة الهوية كفئة مستقلة ومختلفة عن باقي أنواع الاحتيال. ووفقًا لتقارير الاحتيال المتعلقة بالهويات المزيفة، فإن تكلفة هذا النوع من الجرائم آخذة في التزايد، لا سيما مع تزايد اعتمادنا على التكنولوجيا الرقمية.
من خلال هذه الأرقام المقلقة، يصبح من الواضح أن أي شخص، سواء كنت أنت أو عملاؤك، قد يقع ضحية لسرقة الهوية. ولكن، ماذا يمكنك أن تفعل لمواجهة هذا الخطر؟ وكيف يمكنك مكافحة الاحتيال المرتبط بالهويات الاصطناعية بفعالية؟ أول خطوة هي فهم ماهية هذا النوع من الاحتيال وآلية عمله، حيث أن ذلك يساعدك على التعرف عليه ومن ثم اتخاذ التدابير الوقائية لمنعه.
عند الحديث عن سرقة الهوية التقليدية، فالأمر واضح ومباشر؛ إذ يحدث عندما يقوم شخص ما بسرقة هوية شخص آخر لاستخدامها لأغراض شخصية، ولكن عندما نتحدث عن سرقة الهوية الاصطناعية أو ما يعرف أيضا بالهوية المزيفة أو المركبة، نجد أن الجناة لا يسرقون هويتك بشكل مباشر، بل يقومون بإنشاء هوية جديدة تمامًا. قد يقوم هؤلاء باستخدام اسمك الحقيقي ولكنهم يرفقونه برقم ضمان اجتماعي مختلف، أو قد يستخدمون أسماء مزيفة مع بعض التفاصيل الحقيقية عنك. بمعنى آخر، يقومون بدمج المعلومات المسروقة مع معلومات ملفقة، ليتمكنوا من فتح حسابات ائتمانية أو إجراء عمليات شراء.
عادةً ما يكون الأطفال، وكبار السن، والأشخاص المشردون، هم الأهداف الرئيسية لهؤلاء المحتالين، والسبب في ذلك يعود إلى أن هذه الفئات تكون أقل احتمالية للتحقق من سجلاتهم الائتمانية بانتظام. لا يقوم المجرمون بإنشاء هذه الهويات المزيفة بين عشية وضحاها، بل يقومون ببنائها بعناية على مدى فترة زمنية طويلة. يبدأون بإنشاء سجل ائتماني ثم يستغلونه لاحقًا، مما يجعل هذه العمليات تبدو واقعية جدًا ويصعب اكتشافها، وقد يستمر الاحتيال لفترة طويلة قبل أن يتم كشفه.
قد يسبب الوقوع ضحية لاحتيال سرقة الهوية الاصطناعية خسائر مالية كبيرة ويؤثر سلبًا على تصنيفك الائتماني. علاوة على ذلك، قد تواجه مشاكل قانونية وإدارية، وقد تكون استعادة الهوية مسألة معقدة جدًا وتستغرق وقتًا طويلًا.
تناولنا كيف يستخدم المحتالون سرقة الهوية الاصطناعية لتحقيق مكاسب شخصية، ولكن ما هي هذه المكاسب تحديدًا؟ دعنا نلقي نظرة على بعض الاستخدامات الشائعة في احتيال سرقة الهوية الاصطناعية:
أحد أهم الشروط عند فتح حساب بنكي هو تقديم هوية قانونية، لذا عندما يقرر المحتالون فتح حسابات احتيالية، يلجؤون إلى استخدام هويات اصطناعية. وبمجرد فتح هذه الحسابات، يمكنهم طلب بطاقات ائتمان أو الاستفادة من الحسابات المالية تحت أسماء مزيفة، دون أن تكون لديهم نية لسداد الديون التي تتراكم.
بعد فتح الحساب المزيف، يبدأ المجرمون في تنمية الملف المرتبط بالهوية الاصطناعية، على مدار فترة طويلة، ليبدو الشخص الوهمي وكأنه يتمتع بتاريخ ائتماني جيد، الأمر الذي يسمح لهم بطلب قروض أكبر أو الحصول على تسهيلات ائتمانية أعلى، فهدفهم الأساسي هو الاستفادة من هذه القروض إلى أقصى حد قبل أن يختفوا دون تسديد الديون.
يعد غسيل الأموال أحد الأغراض الشائعة لاستخدام الهويات الاصطناعية، حيث يستفيد المجرمون من هذه الهويات لنقل الأموال بين الحسابات المختلفة أو إجراء معاملات متعددة، بهدف إخفاء أصل الأموال غير المشروعة.
في بعض الحالات، يستخدم المجرمون الهويات الاصطناعية للحصول على استردادات ضريبية أو خدمات رعاية صحية أو حتى مزايا اجتماعية، إذ تساعدهم الهويات المزيفة على تجاوز معايير الأهلية والوصول إلى هذه الفوائد بطرق غير قانونية.
يمكننا توضيح الفارق الأساسي بين هذين النوعين من سرقة الهوية في النقاط التالية:
1. إنشاء الهويات: في سرقة الهوية الاصطناعية، يتم دمج معلومات حقيقية ومزيفة لإنشاء هوية جديدة تمامًا، بينما في سرقة الهوية التقليدية، يتم الاستيلاء على الهوية الموجودة بالكامل دون موافقة الشخص الضحية.
2. مدة الاحتيال: في الهوية الاصطناعية، يعمل المجرمون على بناء التاريخ الائتماني لهذه الهوية الجديدة بمرور الوقت، بينما في سرقة الهوية التقليدية، يتم استخدام الهوية المسروقة فورًا لارتكاب جرائم الاحتيال.
3. التعقيد: تعد سرقة الهوية الاصطناعية أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف عنها مقارنة بسرقة الهوية التقليدية، والتي يتم اكتشافها عادةً بشكل أسرع.
لنأخذ مثالًا يوضح كيف يمكن لشخص أن يرتكب هذا النوع من الاحتيال. تخيّل أن شخصًا يدعى "أحمد" يبحث عن طريقة لكسب المال، ويقرر أحمد الدخول في عالم سرقة الهوية الاصطناعية، فيتوجه إلى الويب المظلم / الدارك ويب ويشتري اسمًا مزيفًا، وعنوانًا، وتاريخ ميلاد مزيفًا، بالإضافة إلى رقم ضمان اجتماعي شرعي وحقيقي، إذ تعد هذه الخطوة الأولى في إنشاء هوية اصطناعية.
الآن، أصبح لدى أحمد هوية جديدة باسم "رنا"، وتبدأ "رنا" في بناء تاريخ ائتماني لهذه الهوية المزيفة عبر تقديم طلبات للحصول على بطاقات ائتمان. ورغم أنها تعلم أن طلباتها الأولية قد تُرفض، إلا أنها تستمر في تقديم طلبات صغيرة وبناء سجل ائتماني حتى تصل إلى النقطة التي تستطيع فيها طلب قروض أكبر. بعد ذلك، تقوم بسداد بعض هذه القروض الصغيرة لتعزيز التصنيف الائتماني لهويتها المزيفة، لتزيد من فرصة حصولها على القرض الأكبر.
نستعرض فيما يلي طرق إنشاء الهويات الاصطناعية:
1. الجمع بين المعلومات الحقيقية والمزيفة: يبدأ المحتالون باستخدام أرقام الضمان الاجتماعي المسروقة ثم يدمجونها مع تفاصيل مزيفة مثل أسماء وهمية وعناوين غير حقيقية.
2. سرقة أو شراء أرقام الضمان الاجتماعي: يحصلون على هذه الأرقام إما من خلال اختراقها أو شرائها من الويب المظلم.
3. إنشاء مستندات مزورة: يقوم المحتالون بإنشاء مستندات مزورة مثل رخص القيادة أو جوازات السفر لتبدو الهويات المزيفة مشروعة عند التقدم للحصول على ائتمان.
4. الاستفادة من الحسابات ذات السجل الجيد: قد يدفع المحتالون لأشخاص حقيقيين ذوي سجل ائتماني جيد لإضافة هوياتهم المزيفة إلى حساباتهم، مما يساعدهم في بناء تاريخ ائتماني أسرع.
5. تلفيق معلومات التوظيف والدخل: يكذب المحتالون حول وظائفهم ودخولهم عندما يتقدمون بطلبات ائتمانية.
6. تحليل الأجهزة: يعتمد المحتالون على استخدام تقنيات متطورة لتحليل مخاطر الأجهزة والتأكد من تجنب اكتشاف أنشطتهم الاحتيالية.
إذا كنت تعمل في مؤسسة مالية أو في مجال مكافحة الاحتيال، فإليك بعض أفضل الممارسات التي قد تساعدك في اكتشاف ومنع سرقة الهوية الاصطناعية:
1. تعزيز عملية التحقق من الهوية عبر استخدام تقنيات المصادقة البيومترية والتحقق من المستندات.
2. مراقبة طلبات الائتمان للبحث عن علامات تشير إلى نشاط مشبوه.
3. التحقق من معلومات الهوية عبر مقارنة البيانات المقدمة بمصادر موثوقة.
4. استخدام التحليلات المتقدمة لتحديد الأنماط غير العادية في سلوك المستخدمين.
5. الاستثمار في أدوات كشف الاحتيال التي يمكنها منع الاحتيال بشكل استباقي.
6. تدريب الموظفين على اكتشاف الأنشطة المشبوهة.
من الواضح أن سرقة الهوية الاصطناعية تُعد تحديًا متزايدًا، حيث يجمع المحتالون بين الذكاء والمهارات التكنولوجية لارتكاب جرائمهم. لذا، يتعين على المؤسسات المالية ومستخدمي التكنولوجيا توخي الحذر، واتخاذ التدابير الوقائية لكشف ومنع مثل هذه الأنشطة الاحتيالية.